
حين تتباين المواقف وتعدد الشعارات، يبقى التاريخ شاهداً على أن الرجال الأوفياء وأبناء الوطن المخلصين هم من يصنعون الفارق حين تشتد التحديات. أولئك الذين لا تلهيهم الأضواء، ولا تغريهم المناصب، بل يدفعهم حس المسؤولية وصدق الانتماء إلى أن يكونوا في الصفوف الأولى لخدمة الوطن والمواطن.
ومن بين هؤلاء يبرز اسم النائب والعمدة القاسم ولد بلالي، رجل المبادئ، وصاحب المسيرة التي امتزجت فيها السياسة بالضمير، والعمل العام بالإخلاص، والتسيير بالرؤية.
القاسم ولد بلالي لم يكن يوماً طامعاً في منصب، بل مؤمناً بأن خدمة الناس أمانة، وأداء الواجب الوطني مسؤولية أخلاقية ودينية، لا تقبل التأجيل ولا التهاون. ومنذ توليه مسؤولية بلدية نواذيبو، أثبت أن الكفاءة لا تُقاس بكثرة الموارد، بل بحسن استثمارها، وأن الولاء الحقيقي للوطن يُترجم بالأفعال لا الأقوال.
ورغم محدودية ميزانية البلدية والصلاحيات المقيّدة، تمكّن ولد بلالي من إطلاق مبادرات غير مسبوقة، فكان في مقدمتها توفير المياه مجاناً، وتسيير بعثات طبية شاملة في مختلف التخصصات، وجعل خدماتها في متناول الجميع، مستهدفاً الفئات الأشد حاجة في المدينة.
لم تكن تلك المبادرات سوى ترجمة فعلية لقناعته بأن التنمية ليست حكراً على الحكومة، بل مسؤولية جماعية، يسهم فيها المنتخبون الحقيقيون بأدوارهم التكاملية.
وفي مجال العلاقات الدولية، يتمتع القاسم ولد بلالي بسمعة طيبة بين ممثلي المنظمات الدولية، الذين شهدوا له بالكفاءة وحسن التسيير والشفافية، وكان ذلك سبباً في تسابق العديد منهم إلى التعاون معه فور تنصيبه عمدةً لنواذيبو، لأنهم يدركون تماماً أن تدخلاتهم ستجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، وستصل إلى المواطنين المستهدفين. كما برز حضوره في ميدان اللامركزية، حيث استطاع جلب مساعدات ملموسة، سواء طبية أو رياضية، من خلال هذه الشراكات الحيوية التي تخدم المدينة وساكنتها.
أما في الشق الثقافي والرياضي، فقد كانت بصماته جلية، حيث دأبت بلدية نواذيبو في عهده على تنظيم مهرجان ثقافي سنوي(أيام بلدية انواذيبو الثقافية والفنية) يشكل فضاءً للإبداع والتلاقي، كما تم تخصيص مراكز ثقافية تحتضن العروض والمحاضرات والندوات، وتفتح أبوابها أمام الجمعيات الشبابية الناشطة في المجالين الثقافي والمدني.
وفي ميدان الرياضة، تم دعم البطولات المحلية وتنظيم كؤوس العمدة لمختلف الفئات العمرية، مع إنشاء ودعم المنشآت الرياضية التابعة للبلدية، وتوفير الدعم المنتظم للأندية الرياضية والفرق الثقافية في المدينة، في إطار رؤية شمولية تهدف إلى احتضان الطاقات الشابة وتحفيزها.
وفي قبة البرلمان الموريتاني، كان القاسم ولد بلالي صوت المواطن الحقيقي، لا يتردد في قول كلمة الحق، ولا يتراجع عن المطالبة بحقوق الناس وكرامتهم. يشهد له زملاؤه ومتابعو الجلسات البرلمانية بمواقفه الجريئة، وطرحه المسؤول لقضايا الوطن، وخصوصاً قضايا سكان نواذيبو الذين حمل همومهم معه إلى قبة البرلمان، مدافعاً ومنافحاً دون كلل، مقدماً مثالاً للنائب الذي لا يكتفي بالتمثيل الرمزي، بل يُجسد المعنى الحقيقي للدور التشريعي والرقابي.
ولو أن الدولة أعادت للبلدية صلاحياتها المسلوبة، التي أُعطيت عن طريق الخطأ إلى المنطقة الحرة، لكانت نواذيبو اليوم تحتل مكانة متميزة بين العواصم الإقليمية من حيث البنية التحتية والنمو الحضري، فالرجل الذي أنجز بهذه الإمكانيات المحدودة، قادرٌ على تحقيق قفزات نوعية لو أُتيح له ما يستحق من دعم وتمكين.
ولا ينسى المتابعون للتجربة البلدية في البلاد ما حققه القاسم ولد بلالي في أواخر التسعينات، حين أوكلت إليه مهمة إدارة بلدية نواذيبو، فحوّلها خلال فترة قصيرة إلى قطب تنموي نشِط، كانت ملامحه تُبشر بمدينة نموذجية، لولا توقّف تلك الدينامية لأسباب يعرف كثير من اهل الساكنة .
إن الحديث عن القاسم ولد بلالي، هو حديث عن المسؤول النزيه، والسياسي الوطني، والرجل الذي لم ينكفئ أمام العراقيل، بل جعل من كل تحدٍّ فرصة للإنجاز، ومن كل تقصير خارجي دافعاً للمثابرة أكثر.
لقد نقش في ذاكرة نواذيبو اسمه مقروناً بالعطاء والإنجاز ، وستظل مواقفه نبراساً لكل من يرى في العمل البلدي وسيلة لإعادة الاعتبار للمواطن وخدمة وطن يستحق الأفضل.
حفظه الله ومد في عمره ومتعه بموفور الصحة والعافية.
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض،
صدق الله العظيم
بقلم محمد ولد النمين