قبل سنوات كثيرة التقيت الأستاذ الشاب المعلوم ولد أوبك لأول مرة، لم تكن هناك معرفة مسبقة ولاقرابة تجمعنا حتى أنني لازلت أجهل الكثير عن حياته السابقة إلى اليوم، ذلك شيء لايهمني، المهم بالنسبة لي أنني التقيت بشاب طيب الروح كيس في تعاملاته وهادئ في تصرفاته وكلامه، كان المعلوم ولازال منصتا لكل من يحاوره وهي سمة وميزة ينفرد بها عن الكثير من الشباب وممن التقيته، باختصار له ماله وعليه أيضا ماعليه، ويبقى المعلوم هو المعلوم.
في سنوات معرفتي به الأولى اخبرته أنني لم أكمل تعليمي أصر علي أن اشارك في البكالوريا ضحكت وقلت له "لابد وأنك تمزح" ألح علي بأن أجلب له ملف وجلبت له ملف الترشح لشهادة البكالوريا ، وكان متمسكا بإصراره انه لابد أن أشارك في هذه المسابقة، وأنني سأنجح، لكنني كنت غير مقتع بهذه المسابقة ولا بالتعليم في هذا البلد الذي يوجد فيه عشرات الآلاف من حاملي الشهادات على قارعة طريق البطالة والجوع والفقر، حتى أن من وجد منهم عملا لن يكون طبقا للتخصص الذي أفنى عمره في دراسته والتكوين عليه، كل ذلك لم يكن ذا أهمية بالنسبة للمعلوم ولد أوبك بل كان يؤمن بي وكان يشجعني باستمرار ويقول لي "أنت فعلا لديك مستوى جيد لكنني" ههههه لم ألحظ ذلك المستوى ، ربما هو تشجيع من الأخ لأخيه لا أكثر .
جاء اليوم الذي يسبق البكالوريا وطلب مني أن نبيت معا حتى يتسنى له أن يوقظني في الصباح الباكر لأشارك في المسابقة الأهم ربما في موريتانيا ، وفعلا شاركت في المسابقة أو في بعض موادها وتغيبت عن البعض الآخر بسبب النوم والكسل والاستهتار. في الفصل وعلى الطاولة التي كنت أجلس عليها كانت تجلس بجانبي فتاة وكان لديها هاتف صغير وسماعات أذن وكانت على اتصال بأحدهم وكان يملي عليها الأجوبة بكل هدوء، غبت عن بعض المود وحضرت البعض الآخر، وكانت الفتاة تظن أنني غبي ولم أتفطن لما تقوم به، طبعا لم يكن يعنيني في شيء اختلاس هذه الفتاة ولاغيرها من الهاتف لكنني كنت غاضبا من أنها كانت تظنني بليد أوغبي لدرجة أنني لم ألاحظ الهاتف ولا سماعات الأذن، أو حتى صوتها الخافت وهي تملي الأسئلة على الشخص الذي كان يملي عليها الأجوبة .
احتفظت برقم الفتاة المكتوب على الطاولة وبعد صدور النتائج بحثت عنها وعن النتيجة التي تحصلت عليها ولم أهتم للنتيجة التي تحصلت أنا عليها لأنها معروفة مسبقا، بقدر ماكنت متلها لمعرفة نتيجة الفتاة، حيث تحصلت تلك الفتاة على نتيجة جيدة ونجحت في الدورة الأولى من المسابقة.
ناقشت الموضوع مع المعلوم وقال لي متحسرا وبأسف شديد أنها في المستقبل ربما تكون أستاذة أو دكتورة في احد المجالات العلمية وتعرف نفسها على أساس أنها متخصصة.
وبعدها بفترة ليست بالطويلة انتشرت الهواتف الذكية وكثر استعمالها في عمليات الاختلاس وأصدرت الدولة في السنوات القليلة الماضية عقوبات مشددة على كل من وجد بحوزته هاتف ذكي أو غبي داخل قاعة البكالوريا .
أما بخصوص الفتاة فلم اراها بعد ذلك رغم أنني عرفت أين تسكن.
أما أنا فقد شاركت في البكالوريا بعد ذلك في نواذيبو ووصلت إلى الدورة التكميلية ولم يحالفني الحظ للأسف .
وفي النهاية كل التوفيق للناجحين في البكالوريا هذا العام وحظ أوفر لغير الناجحين في العام المقبل.
أحمد محمد سالم كركوب